سورة الفتح - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفتح)


        


{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24)}
{أَيْدِيهِمْ} أيدي أهل مكة، أي: قضى بينهم وبينكم المكافة والمحاجزة بعد ما خولكم الظفر عليهم والغلبة، وذلك يوم الفتح. وبه استشهد أبو حنيفة رحمه الله، على أنّ مكة فتحت عنوة لا صلحاً. وقيل: كان ذلك في غزوة الحديبية لما روى أنّ عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من هزمه وأدخله حيطان مكة.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: أظهر الله المسلمين عليهم بالحجارة حتى أدخلوهم البيوت. وقرئ: {تعملون} بالتاء والياء.


{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)}
وقرئ: {والهدي} والهدي: بتخفيف الياء وتشديدها، وهو ما يهدى إلى الكعبة: بالنصب عطفاً على الضمير المنصوب في صدّوكم. أي: صدّوكم وصدّوا الهدي وبالجر عطفاً على المسجد الحرام، بمعنى: وصدّوكم عن نحر الهدى {مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} محبوساً عن أن يباع، وبالرفع على: وصدّ الهدي. ومحله: مكانه الذي يحل فيه نحره، أي يجب. وهذا دليل لأبي حنيفة على أن المحصر محل هديه الحرم.
فإن قلت: فكيف حل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه وإنما نحر هديهم بالحديبية؟ قلت: بعض الحديبية من الحرم. وروى أن مضارب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في الحل، ومصلاه في الحرم.
فإن قلت: فإذن قد نحر في الحرم، فلم قيل: {مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}؟ قلت: المراد المحل المعهود وهو منى {لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ} صفة للرجال والنساء جميعاً. و{أَن تَطَئُوهُمْ} بدل اشتمال منهم أو من الضمير المنصوب في تعلموهم. والمعرة: مفعلة، من عره بمعنى عراه إذا دهاه ما يكره ويشق عليه. و{بِغَيْرِ عِلْمٍ} متعلق بأن تطؤهم، يعني: أن تطئوهم غير عالمين بهم. والوطء والدوس: عبارة عن الإيقاع والإبادة. قال:
وَوَطِئْتَنَا وَطْأَ عَلَى حَنَقٍ *** وَطْأَ الْمُقَيَّدِ نَابِتَ الْهَرْمِ
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإن آخر وطأة وطئها الله بِوَجٍّ» والمعنى: أنه كان بمكة قوم من المسلمين مختلطون بالمشركين غير متميزين منهم ولا معروفي الأماكن: فقيل: ولولا كراهة أن تهلكوا ناساً مؤمنين بين ظهراني المشركين وأنتم غير عارفين بهم، فتصيبكم بإهلاكهم مكروه ومشقة: لما كف أيديكم عنهم، وحذف جواب {لولا} لدلالة الكلام عليه. ويجوز أن يكون {لَوْ تَزَيَّلُواْ} كالتكرير للولا رجال مؤمنون، لمرجعهما إلى معنى واحد، ويكون {لَعَذَّبْنَا} هو الجواب.
فإن قلت: أي معرة تصيبهم إذا قتلوهم وهم لا يعلمون.
قلت: يصيبهم وجوب الدية والكفارة، وسوء قالة المشركين أنهم فعلوا بأهل دينهم مثل ما فعلوا بنا من غير تمييز، والمأثم إذا جرى منهم بعض التقصير.
فإن قلت: قوله تعالى: {لّيُدْخِلَ الله فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشآءُ} تعليل لماذا؟ قلت: لما دلت عليه الآية وسيقت له: من كف الأيدي عن أهل مكة، والمنع من قتلهم؛ صوناً لمن بين أظهرهم من المؤمنين، كأنه قال: كان الكف ومنع التعذيب ليدخل الله في رحمته؛ أي: في توفيقه لزيادة الخير والطاعة مؤمنيهم. أو ليدخل في الإسلام من رغب فيه من مشركيهم {لَوْ تَزَيَّلُواْ} لو تفرقوا وتميز بعضهم من بعض: من زاله يزيله. وقرئ: {لو تزايلوا}.


{إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)}
{إِذْ} يجوز أن يعمل فيه ما قبله. أي: لعذبناهم أو صدوهم عن المسجد الحرام في ذلك الوقت، وأن ينتصب بإضمار اذكر. والمراد بحمية الذين كفروا وسكينة المؤمنين- والحمية الأنفة والسكينة والوقار- ما روى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بالحديبية بعثت قريش سهيل بن عمرو القرشي وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص بن الأخيف، على أن يعرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع من عامه ذلك على أن تخلي له قريش مكة من العام القابل ثلاثة أيام، ففعل ذلك، وكتبوا بينهم كتاباً، فقال عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه: «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم»، فقال سهيل وأصحابه: ما نعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللَّهم، ثم قال: «اكتب هذا ما صالح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة» فقالوا: لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة، فقال عليه الصلاة والسلام: «اكتب ما يريدون، فأنا أشهد أني رسول الله وأنا محمد بن عبد الله»، فهمَّ المسلمون أن يأبوا ذلك ويشمئزوا منه، فأنزل الله على رسوله السكينة فتوقروا وحلموا. و{كَلِمَةَ التقوى} بسم الله الرحمن الرحيم ومحمد رسول الله: قد اختارها الله لنبيه وللذين معه أهل الخير ومستحقيه ومن هم أولى بالهداية من غيرهم. وقيل: هي كلمة الشهادة.
وعن الحسن رضي الله عنه: كلمة التقوى هي الوفاء بالعهد. ومعنى إضافتها إلى التقوى: أنها سبب التقوى وأساسها. وقيل: كلمة أهل التقوى. وفي مصحف الحرث بن سويد صاحب عبد الله: {وكانوا أهلها وأحق بها}، وهو الذي دفن مصحفه أيام الحجاج.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7